مدير مرصد الدول العربية في باريس أنطوان بصبوص لـ"الشروق": انتخابات هذا الأحد ستغير الساحة السياسية الفرنسية
.ورقة الاقتصاد والإرهاب ستحسم الرهان. السياسة الدفاعية والخارجية تقرر من مؤسسات الدولة العميقة لا على المنابر الإعلامية.
شرح مدير مرصد الدول العربية في باريس أنطوان بصبوص، راهنية الانتخابات الفرنسية المقررة هذا الأحد، ويؤكد صاحب كتاب "التسونامي العربي" في هذا الحوار مع "الشروق"، أن من شأنها إنهاء وجود معسكر اليمن واليسار، وعن خيارات الناخبين فيذكر أنها ستكون عبر ورقتي الاقتصاد والإرهاب، ليؤكد أن السياسة الخارجية والأمنية تصنعها الدولة العميقة وليست تصريحات المرشحين خلال الحملة الانتخابية.
كيف تقرأ الانتخابات الرئاسية الفرنسية وراهنيتها داخليا وخارجيا؟
هي انتخابات محورية أكثر من أي انتخابات سابقة، لها مؤشرات وعناصر عديدة توحي بتغيير الساحة السياسية، ومن أهم المؤشرات، أن الحزب الاشتراكي في طريقه إلى الزوال وإعادة التكوين، لأن مرشحه الرسمي لم ينل أكثر من 8 بالمائة، في حين إن رئيس الجمهورية الخارج من الإليزيه كان يفترض أن يترشح لكن مُنع من الترشح، وسحبت السجادة من رجليه عبر أحد وزرائه السابقين.
المشهد سيكون مختلفا، من ناحية أخرى، اليمين إذ لم يفز مرشحه فرانسوا فيون، سيكون التفكك في معسكره، عندها قد نجد فرنسا جديدة مع مشهد ومرشحين وطاقم جديد متجدد، وعندها سيكون السيد ماكرون الذي يوصف بالظاهرة الآن، والذي خرج من الساحة السياسية قبل أقل من سنة ولا يستند إلى أي حزب، سينافس في مرحلة الحسم إلى جانب لوبان، وقد تكون له الفرصة للوصول إلى الدرجة الثانية.
هنالك مشهد غير واضح المعالم، فعلى أي أساس سينتخب الفرنسيون؟
الفرنسيون عندهم حالة غضب شديد من الطاقم السياسي يساريا كان أم يمينيا، حيال من مروا على الحكم فقد وعدوا كثيرا ولم يفوا، والغضب يأتي بشكل خاص من ظاهرتين الأولى الضعف الاقتصادي والبطالة، والثانية الإرهاب، التي تمنع الفرنسي من التمتع بحياة هانئة، والإرهاب وصل بقوة، وهو يؤرق الناخب، وتجده يبحث عن مرشح يقيه الآفتين.
وماذا عن الجالية العربية والمسلمة، هل لها خيارات واضحة مقارنة بالفرنسيين؟
أعتقد أن الجالية لا يمكن أن ينظر إليها كجالية فهي غير مهيكلة، وليس لها لوبي يحسم في الانتخابات، هي مثل الفرنسيين الآخرين متشرذمة بين أقصى اليسار، فميلونشو يدغدغ عواطفها ويعدها بالكثير، عبر تصوير نفسه كثوري قريب من كوبا وفنزويلا، والجالية العربية قد تجد نفسها قريبة منه، ومن ناحية أخرى ماكرون يحظى بعدد من الأصوات، فلما زار الجزائر كان له موقف تجاه الاستعمار ثم تراجع له، وأعتقد أنه قد ترك أثرا على الجالية، عدم هيكلة الجالية يجعل أصواتها لا تصب حيال مرشح واحد واضح، لتدعم فوز هذا المرشح أو ذاك، فهي موزعة على أكثر من مرشحة.
الأمن والإرهاب ورقة تم استغلالها كثيرا من قبل المرشحين، خاصة من مارين لوبان، هل تعتقد أنها أكبر المستفيدين من هذا الملف؟
للوبان إرث سياسي وانتخابي ورثته من والدها، وهذه القاعدة لا شك أنها ستعطيها المرتبة الأولى في الدور الأول، لكن ليست كافية للوصول إلى الاليزيه، ولا أعتقد أن الأحداث الأمنية تصب في مصلحة مرشح لم يتم تجريبه بعد، يعتمد فقط على الوعود البراقة، صحيح بعد حادثة الشونزيليزيه حاولت استغلال ما حصل لاستدراج الناخبين، لكن لا أعتد أن الناخب المتخوف سيعطيها صوته لأنها لم تتقلد مناصب، وتكون قادرة على معالجة هذا الموضوع، في حين إن العملية الإرهابية قد تفيد فيون لأنه رئيس حكومة سابق مارس السلطة ويوحي من الناحية العقائدية، بما له من تجربة ورصيد وكتب ومواقف تجاه الإرهاب، بأنه المستفيد الأول مما حصل.
لكن فيون تطارده الفضائح المالية؟
صحيح، لو كانت الانتخابات قبل كشف تلك الفضائح لكان فيون من دون منازع هو الرئيس، لكن الذي حصل أضرّ به كثيرا، وهو اليوم بعدما استوعب الضربة عاد ليطلق ديناميكية رفعت باسمه إلى أن يكون الرجل الثاني أو الثالث في الدور الأول، الآن الناس بدؤوا يتناسون ما حصل له.
وهل يمكن الأخذ بعين الاعتبار نتائج سبر الآراء التي تقدم ماكرون ولوبان، بعد النتائج العكسية التي حصلت في سبر الآراء خلال الانتخابات الأمريكية؟
ما شهدناه هذه المرة أن مؤسسات استطلاع الرأي لا تأخذ المخاطر في إعلان الفائزين وترتيبهم، كما حصل مع نتائج البريكسيت وفوز ترامب، تجعل من نتائج سبر الآراء متواضعة.
أنا شخصيا، أعتقد أن رصيد لوبان سيجعلها تحجز مكانا في الدور الثاني، والمنافسة ستكون بين فيون وماكرون في المرتبة الثانية والثالثة.
لفرنسا دور كبير في الخارج، هل تتوقع تغيرا في سياستها خارجيا، أيا كان نزيل الاليزيه؟
في الواقع، السياسة لا تقرر على المنابر الإعلامية، السياسة الدفاعية والخارجية تقرر من مؤسسات الدولة العميقة، التي لها دور كبير، بناء على وقائع التاريخ والجغرافيا والاقتصاد التي لها تأثير كبير، الرئيس في مرحلة الانتخابات يعد كثيرا ويدغدغ المشاعر، ولما يصل إلى ساعة الحقيقة تذكره الدولة العميقة والمؤسسات الاقتصادية والدبلوماسية والأمن.
إذن، يجب ألا تؤخذ وعود المرشحين على محمل الجد أكثر مما يجب، وهذا ما شهدناه مع ترامب، فقد وعد كثيرا، والآن انقلب كثيرا.